طائرات ”الدرون” في موسم الحج 1446هـ.. عين الأمن التي لا تنام

لم يكن جديدًا على المملكة أن تتخذ خطوات سبّاقة لحماية ضيوف الرحمن وضمان سلاسة أداء المناسك. ففي إطار حملة "لا حج بلا تصريح"، بادرت الجهات المختصة إلى استخدام طائرات دون طيار (درون) لتعقب وضبط المخالفين، في مسعى حثيث لترسيخ ثقافة الالتزام بالتعليمات التنظيمية.
وتأتي هذه المبادرة التقنية ضمن منظومة أمنية متكاملة تهدف إلى خلق بيئة منظمة وآمنة للحجاج، من خلال مراقبة دؤوبة للمناطق المحيطة بالمشاعر المقدسة، وصدّ محاولات التسلل غير المشروع قبل وقوعها. فالدرونات تُغطي مساحات واسعة بكفاءة عالية، ما يتيح للفرق الميدانية التحرك الاستباقي والتدخل السريع.
ولا شك أن هذا التوجه يعكس مستوى الوعي الأمني والتقني الذي بلغته المملكة، والذي بات يدمج بين التطور التكنولوجي والحس الإنساني لتوفير تجربة حج آمنة وميسّرة للجميع.
لا حج بلا تصريح
وتؤكد الجهات المنظمة أن الحصول على التصريح الرسمي لأداء مناسك الحج ليس مجرد إجراء إداري، بل ضرورة قصوى لضمان سلامة الأرواح. فالمخالفات لا تُخل بالنظام العام فحسب، بل قد تُهدد حياة الآخرين في ظل الكثافة البشرية التي تعرفها المشاعر المقدسة.
تحت شعار "لا حج بلا تصريح"، تم تشديد الرقابة على المداخل والمخارج، وسط تأكيد أن كل من يحاول الالتفاف على الأنظمة سيُعرض نفسه للمساءلة. وقد باتت طائرات الدرون أحد أبرز أدوات هذه الرقابة المتطورة، ويمثل انتشار هذه الدرونات خطوة نوعية نحو تقليص الاعتماد على الكوادر البشرية في الظروف الحرجة، وتحقيق تغطية دقيقة وشاملة لحركة الأفراد والمركبات في محيط المشاعر.
الجندي الصامت في سماء المشاعر
وفي هذا الجانب، يوضح المهندس المختص في طائرات الدرون، حسين العندس، أن النمو المضطرد في أعداد الحجاج يتطلب أنظمة مراقبة ذكية وقادرة على التكيّف مع الأوضاع الميدانية، وقد أضحت طائرات الدرون الذكية أداة رئيسية في يد القوات الأمنية.
ويضيف العندس أن هذه الطائرات مزودة بكاميرات حرارية وليلية دقيقة، إضافة إلى تقنيات البث المباشر التي تربطها مباشرة بمراكز القيادة والسيطرة، ما يمنحها قدرة عالية على جمع وتحليل البيانات بشكلٍ فوري.
ولعلّ ما يميز هذه الطائرات هو تكاملها التام مع أنظمة القوات الخاصة لأمن الحرم، ما يخلق شبكة مراقبة محكمة ترصد كل حركة وتحلل كل سلوك في الوقت الفعلي.
الذكاء الاصطناعي يكشف التحركات المريبة
ولا يتوقف دور الدرونات عند التصوير والتتبع، بل يتعداه إلى تحليل الأنماط السلوكية للأفراد، فبفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، تستطيع هذه الطائرات تمييز الأفراد غير المنتمين لمجموعات الحجاج النظاميين، وكذلك رصد التحركات غير المعتادة.
ويؤكد العندس أن هذا التحليل الذكي يُسهم في التصنيف اللحظي للتحركات، ما يسمح للجهات الأمنية باتخاذ القرار المناسب بسرعة بالغة، سواء بالتدخل المباشر أو إصدار التحذيرات الصوتية الفورية، كما تتابع الطائرات الذكية النقاط الحدودية والمناطق المفتوحة للمشاعر، ما يجعل من عملية التسلل شبه مستحيلة في ظل هذه المراقبة المشددة.
تعقّب دقيق وتنبيهات لا تحتمل التأخير
وفي حال تم رصد مخالف، تُرسل إحداثيات موقعه فورًا إلى مركز الدعم الفني، الذي يُمرر بدوره المعلومات إلى الوحدات الميدانية المنتشرة على الأرض. وبهذه الطريقة، لا تُمنح أي فرصة للهروب أو التخفي.
وتُزوّد بعض طائرات الدرون بمكبرات صوت تطلق تحذيرات مباشرة وفورية، ما يُربك المخالفين ويمنح الوقت الكافي للفرق الأمنية للسيطرة على الوضع. وهي وسيلة فعالة لمضاعفة أثر الردع دون اللجوء إلى مواجهات مباشرة، وتُظهر هذه الإجراءات تطورًا نوعيًا في التعامل مع المخالفين، يعتمد على المعلومة الدقيقة والتدخل الذكي والآمن.
سرعة استجابة ودقة في التنفيذ
ويرى "العندس" أن من أبرز مزايا استخدام الدرونات خلال موسم الحج هو توسيع نطاق المراقبة بأقل تكلفة بشرية ممكنة، فبدلًا من نشر آلاف الأفراد لمراقبة كل زاوية، يمكن لطائرة واحدة أن تُغطي مساحات كبيرة في وقت قياسي.
كما تسهم هذه الطائرات في تسريع الاستجابة للحالات الطارئة، لا سيما في المناطق المزدحمة أو ذات التضاريس المعقدة، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لبيئة مثل مكة والمشاعر، وفي ظل تزايد التحديات الميدانية المرتبطة بكثافة الحجاج وتنوع خلفياتهم، تظل الدرونات أداة حاسمة في إحكام السيطرة وحفظ الأمن.
نحو حج أكثر أمانًا وانضباطًا
وتتضح نتائج هذه الاستراتيجية الذكية في انخفاض محاولات التسلل والازدحام غير المشروع، حيث تلعب الدرونات دورًا فعالًا في الرصد المبكر والوقاية قبل وقوع المخالفات.
كما ساعد الاستخدام الواسع لهذه الطائرات على تحسين الانسيابية في تنقلات الحجاج، وتقليص فرص التصادم أو التدافع الناتج عن دخول غير نظامي، وتُعد هذه النقلة النوعية جزءًا من جهود المملكة المستمرة لتحسين تجربة الحج سنويًا، بما يضمن سلامة وأمن الحجيج من مختلف أنحاء العالم.
تكامل بين الإنسان والتقنية
وما يميز التجربة السعودية أنها لا تعتمد كليًا على التقنية، بل تمزج بين الكفاءة البشرية العالية والتكنولوجيا الذكية، ما يعزز فعالية الأداء ويوفر حلولًا متكاملة.
فالدرونات لا تُلغي الحاجة للعنصر البشري، لكنها تمنحه المعلومات الدقيقة التي يحتاجها للتدخل في الوقت والمكان المناسبين، وهو ما يزيد من كفاءة الجهود الميدانية، وهذا التكامل بين الإنسان والآلة يعكس توجهًا عالميًا في استثمار الذكاء الاصطناعي لخدمة الأمن والإنسانية، وقد جسدته المملكة بأعلى معاييره في مناسك الحج.

