إصلاحات هيكلية ورؤية اقتصادية طويلة.. المملكة نموذج للاستقرار المالي في مواجهة الصدمات

تأكيدًا على التزام المملكة العربية السعودية بإرساء قواعد متينة للاقتصاد الوطني، شدد عبدالمحسن بن سعد الخلف؛ نائب وزير المالية، على أن المملكة تبنت حزمة واسعة من الإصلاحات الهيكلية، التي أفرزت إطارًا ماليًّا قويًّا، مكنها من التصدي للصدمات الخارجية دون أن تمسّ جوهر خططها التنموية أو تهدد استدامة ماليتها العامة. وجاءت تصريحات معاليه خلال مشاركته في الجلسة الحوارية التي نظمها صندوق النقد الدولي بالعاصمة الرياض، تحت عنوان "التطورات والتوقعات الاقتصادية الإقليمية"، والتي جمعت نخبة من صناع السياسات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وفي سياق حديثه، أشار الخلف إلى أن ما يُميز المملكة هو تبنيها لرؤية طويلة المدى تهدف إلى دعم مسار التحول الاقتصادي الشامل، وهو ما انعكس بوضوح في تعزيز مرونة الاقتصاد الوطني وقدرته على امتصاص الصدمات المفاجئة، من خلال توفير خيارات متنوعة وفعالة للسياسات المالية، مؤكدًا أن هذه الإصلاحات الاستباقية أسهمت في ترسيخ مكانة المملكة كمركز استقرار اقتصادي في المنطقة، مشيرًا إلى أن دول الإقليم مطالبة بانتهاج مسار مشابه لتعزيز قدرتها على التعافي ومواجهة حالات عدم اليقين العالمية.
الاستجابة الفعّالة والتحول الاقتصادي
ومن جانب آخر، أوضح نائب وزير المالية أن التقلبات المتزايدة في الأوضاع المالية على الصعيد العالمي، إلى جانب تصاعد مظاهر التجزؤ الاقتصادي، وغياب الاستقرار في أسعار السلع الأولية، وضعت السياسة المالية في قلب المشهد الاقتصادي العالمي، فبات لزامًا على الدول، ومنها المملكة، تبنّي استجابات مدروسة تقوم على الحصافة المالية، وسرعة التفاعل مع المتغيرات، والاستثمار في القطاعات الإستراتيجية ذات القيمة المضافة العالية، وذلك لضمان استمرار النمو في ظل عالم يتسم بعدم اليقين.
وأضاف الخلف أن من بين الضرورات الاقتصادية الحالية، ضرورة توجيه السياسات المالية نحو تمكين القطاع الخاص، بوصفه محركًا رئيسًا للنمو والتنويع الاقتصادي؛ ففي ضوء تلك التحديات، تبدو الحكومات مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتحقيق التوازن بين التحفيز المالي والانضباط المالي، بما يعزز مناخ الأعمال ويزيد من جاذبية الاستثمار، ويقود إلى تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة.
رؤية طموحة واستدامة مالية
وتابع معاليه بأن ما يميز النموذج السعودي هو التكامل بين السياسات الاقتصادية والمالية، ضمن إطار رؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، وهو ما يجعل السياسات المالية أداة استراتيجية في يد صانع القرار، تسهم بفعالية في دعم النمو الاقتصادي دون الإضرار باستقرار الاقتصاد الكلي أو تحميل الأجيال القادمة أعباء مالية.
وأكد أن المملكة، رغم التحديات العالمية، تمضي قدمًا في تنفيذ برامجها التنموية، وتوسيع قاعدة الاقتصاد الوطني، مستفيدة من بيئة تشريعية وتنظيمية مرنة، وإصلاحات هيكلية واسعة تغطي مختلف القطاعات، بما في ذلك المالية العامة، والحوكمة، والإنتاجية، ورقمنة الاقتصاد، وهي بذلك تسير على طريقٍ واضح المعالم نحو تحقيق الاستدامة المالية والازدهار الاقتصادي.
الحدث الإقليمي وتبادل التجارب
وشهدت الجلسة الحوارية، التي نُظّمت في الرياض، مشاركة رفيعة المستوى من كبار صانعي السياسات المالية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذين اجتمعوا لتبادل الرؤى والخبرات حول آليات التعامل مع التحديات الاقتصادية الراهنة، والبحث عن حلول مبتكرة تضمن النمو المستدام وتعزز من استقرار الاقتصادات الغنية بالموارد.
كما وفّر الحدث منصة مثالية لتأكيد أهمية التعاون الإقليمي، وتنسيق السياسات الاقتصادية بين دول المنطقة، لمواجهة التحديات المشتركة مثل: تقلبات الأسواق العالمية، وأزمات سلاسل الإمداد، وتغير المناخ، بالإضافة إلى تعزيز مرونة الأنظمة المالية في وجه الاضطرابات المستقبلية.
نموذج سعودي ملهم
وبناءً على ما تم طرحه في الجلسة، بدا واضحًا أن المملكة العربية السعودية تقدم نموذجًا ملهمًا للدول الطامحة إلى تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والاستقرار المالي؛ فالإصلاحات التي انتهجتها المملكة لم تكن مجرد استجابة مؤقتة للأزمات، بل كانت ثمرة رؤية بعيدة المدى تُرسي أسسًا متينة لمستقبل اقتصادي مزدهر، يعتمد على الابتكار، ويشجع على الاستثمار، ويدفع بعجلة التنمية المستدامة إلى الأمام.
وعليه، فإن نجاح النموذج السعودي يُعدّ دليلًا على أهمية وجود قيادة اقتصادية واعية، وسياسات مرنة تستجيب للمتغيرات بفعالية، وهو ما يجعل من المملكة لاعبًا محوريًّا في خارطة الاقتصاد الإقليمي والدولي، خاصة في ظل المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم.